شهاداتٌ، وسيرة ٌ، ومسيرة.. في الذكرى السبعين لمؤتمر السباع الطلابي الخالد
في اجتماع طلابي عراقي مركزي ببراغ صيف عام 1982
-------------------------------------------
قليلون هم الذين مثلكَ – ايها الطالب المتقاعد!- ممن انتظموا لعشرين عاما بالتمام والكمال، في صفوف اتحاد الطلبة العام في العراق، وهيئاته القيادية المختلفة... فلا تبخـلْ بما عندك من شهادات وذكريات ومواقف - ولو بايجاز – عن تلك المنظمة العريقة، وهي تحتفل بذكرى تأسيسها السبعين، في الرابع عشر من نيسان 2018 ..
- ولا تخفِ سراً بأن فرحة غامرة تعتريك وانت تقرأ، وتتابع، اخبارا هنا، واخرى هناك، عن فتية وشباب رواد - ورائدات طبعا- وهم يواصلون العطاء، اليوم، في رحاب النضال الطلابي والوطني، تحت راية وخيمةالاتحاد، الذي عقد مؤتمره الحادي عشر، في اذار الماضي ببغداد...
- وأشهدْ اولاً، بأن لا منظمة عراقية، نقابية – مهنية – ديمقراطية، عريقة اخرى، نافست اتحاد الطلبة العام (ولتسمهِ"الاتحاد لاحقا") لا عمراً ولا مواصلة، وتضحياتٍ، وميزات عديدة اخرى، وتحملْ مسؤولية تلك الشهادة، وأسـعّ لأن تثبتّ ذلك في السطور التاليات ...
- وأنطلقْ– ايها الرجل- من البدايات، واوائل عام 1966 حين كنت طالبا في الاعدادية المركزية ببغداد، فرحـتَّ في علاقة تنظيمية مع صديق في كلية العلوم، وكان نشطاء الاتحاد قد بدأوا لملمة الصفوف، بعد ان تشتت، بسبب عسف وقمع الانقلاب البعثي الاول في العراق قي الثامن من الشباط المشؤوم. وكم وكمْ فقـد الاتحاد – الى جانب ابناء الشعب الاخرين- ابناء واعضاء وكوادر، شهداء باسلين، او في السجون والمعتقلات، بسبب تلكم الكارثة السوداء، ولكن الجهود تثابرت، لتعود النشاطات بهذا الشكل او ذلك، وفق الاوضاع السياسية العامة ..
- ثم تذكرْ – ايها الطالب المتقاعد- بدء انتظام نشاطك الاتحادي عامي 1967/1968 وانت في معهد الهندسة العالي بجامعة بغداد، ومشاركاتك في مختلف الفعاليات الاتحادية، وابرزها التظاهرات امام جامعة بغداد، والاضراب الطلابي الذي قمعته السلطة بالرصاص، في كلية التربية، وغيرها، وأصيب من اصيـب.. ولكن العمل تواصل وأشتدَّ برغم كل ذلك، وحتى الانتصار التاريخي في الانتخابات الطلابية، وفوز الاتحاد الكاسح، مما دفع السلطة لالغاء النتائج، وحظر العمل النقابي الطلابي كله ..
- وتوقفْ ايها الرجل عند حال الانشقاق الذي حدث في الاتحاد بسبب تأثيرات سياسية متقابلة، وقد انحزت الى احد الجانبين، بروحية الحماسة الشبابية، وليس بقناعات فكرية او غيرها... وأشـرْ هنا بالمناسبة الى حالات عديدة مشابهة، متعبة، حين يتدخل السياسيون والحزبيون بشكل حاد ومباشر، فيأثرون سلباً على فاعلية ودور المنظمات النقابية / الديمقراطية ...
- ولا تنسَ – ايها الرجل- فتذكر في هذا السياق بأن زميلك في الدراسة، والشهيد الباسل في الثمانينات، صالح محسن الجزائري، هو الذي اعادك الى جادة الصواب (!!!) فعدتَ الى الاتحاد الام، بعيدا عن التشدد (اليساري) وواصلت العمل - وقـلْ النضال ولا تخف !– وفي هيئاته المسؤولة لنحو عقدين ..
- وفي تراتب الاحداث والوقائع، زمنياً، تحدث عن خوض الانتخابات الطلابية عام 1969 وكيف كُلفـت ان تتزعم(!) قائمة الاتحاد في معهد الهندسة العالي، بجامعة بغداد، وكيف حصلتم على اكثر من مئة وسبعين صوتاً، مقابل قائمة البعث، والسلطة (الاتحاد الوطني) التي فازت بفارق محدود، برغم المغريات والتهديدات والضغوط، خاصة وان الجلاد الشهير، ومدير الامن العام السابق، ناظم كزار كان (طالبا) معكم في الدراسة، وقد مارس حقه(!) في التصويت في ذات القاعة الانتخابية التي كنت موجودا داخلها...(1)
- وتتخرج من الدراسة ايها الطالب العتيق والمزمن، وتلتحق بالخدمة العسكرية لعام كامل، ولكنك تستمر خلالها - وفي مغامرة غير مطلوبة - في مهماتك الاتحادية، مسؤولا للعلاقات المركزية مع اتحادات الطلبة العرب في جامعة بغداد، ومنها اتحاد طلبة فلسطين، واتحاد الطلبة اليمني، والمغربي، والتونسي والاردني... وغيرها..
- وفي ذات الفترة، او بعدها بقليل، تذكـرْ بأنك تكلفت ايضا، بمسؤولية العلاقات مع اتحاد طلبة كردستان العراق، وكان بشقيين، وكذلك مع طلبة نشطاء اخرين يمثلون واجهات طلابية لحركة القوميين العرب، وبشقيها ايضا، وكل ذلك بهدف التقريب والتقارب للدفاع، جهد المستطاع، عن المصالح الطلابية، الدراسية والاجتماعية والنقابية وغيرها ..
- ثم يحل موعد الرحيل الى موسكو، عام 1972 وكان السفر ممنوعاً آنذاك، فخرجتَ من البلاد بهوية مزورة الى دمشق، ومنها الى موسكو (الحب والحلم، آنذاك!) وقد أنتخبت بعد وصولك بأسابيع عضوا في اللجنة التنفيذية لجمعية الطلبة العراقيين (اي فرع الاتحاد) في الاتحاد السوفياتي السابق، ولتنشط مع نخبة من الاحباء والاعزاء في فعاليات طلابية علنية هذه المرة، وقد توليّتَ خلال تلك الفترة مهام الاعلام والنشر ...
ثم لتترك الدراسة، متذمرا اولاً، ومتشوقاً للعودة الى الوطن، لاسباب مختلفة يطول الحديث عنها هنا، وانت تبتغي الايجاز والتوقف عند المؤشرات وحسب ..
- وحال وصولكَ البلاد، وثـقْ - ايها الطالب المتقاعد - أنك عدت للعمل الاتحادي والطلابي، وفي سكرتارية الاتحاد ايضا، مسؤولا اتحاديا، وسياسيا عن تنظيمات مختلفة ومنها في اكاديمية الفنون وكليات الاداب والزرعة والقانون والسياسة والادارة والاقتصاد، والجامعة التكنولوجية وهيئة المعاهد الفنية وغيرها..
- وضفْ- وانت توثق ايها الطالب العتيق - انك كلفتَ ايضاً بشؤون العلاقات والاعلام .. وهكذا رحت مشرفاً على صفحة اسبوعية للطلبة والشباب خصصتها مشكورة جريدة "طريق الشعب" الغراء، خاصة باتحاد الطلبة العام، وشقيقه اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي، وذلك منذ صدورها العلني في ايلول 1973 وحتى اضطرارها للتوقف عمليا منذ اواخر 1978 بعد اشتداد غدر الحزب اليعثي الحاكم، وتفشي ارهابه.. ولتوثق هنا ان تلك الصفحة - وبمساهمة حيوية من متطوعين نشطاء، راحت منظماً جماعياً لاعضاء وهيئات الاتحاد، في بغداد، وعموم ارجاء البلاد العراقية، وخارجها، تتابع وتغطي شؤونهم الطلابية، والاجتماعية والنقابية، وكذلك التضامنية مع اشقائهم العرب، والاقران، طلبة المعمورة ..
- وللتوثيق ايضا، عليك ان تعترف(!) ايها الرجل الموثق، بأن المنظمة الطلابية للحزب الشيوعي العراقي كانت سنداً متيناً لتعضيد عمل الاتحاد، ودعم نشاطاته، ودون مقابل سوى توحيد القوى، وتعزيزها، من اجل الديمقراطية للعراق، وبنائه وتقدمه. وكنت – وهذه المرة سياسيا- عضوا في قيادة تلك المنظمة الحزبية، وحيوياً، كما كان يقول لك ذلك مسؤولوك على الاقل !!!.
- ثم، لتتذكرْ وإن بمرارة هنا، الاضطرار عام 1975 الى تجميد عمل اتحاد الطلبة العام، اسوة بالمنظمات الديمقراطية الاخرى الشقيقة ( رابطة المرأة، واتحاد الشبيبة الديمقرطي) طموحاً وأملا في ان يخدم ذلك القرار – اي تجميد العمل- المصلحة الوطنية، وقد خابت تلكم الطموحات والآمال بعد ان أستذأب متنفذو حزب اليعث الحاكم واجهزته القمعية، ولتبدأ مواسم الهجرة الى المنافي مع اواخر العام 1978.
- وتكون براغ حصتك من المنافي – المؤقتة كما كنا نمني النفس!- وحالما تصلها، تُعهـدً اليك من جديد مهمات طلابية، نقابية وسياسية، وفي فترة معقدة وصعبة، بالتزامن مع قرار الغاء تجميد العمل الاتحادي، في الداخل، وكردستان، حيثما سمحت الظروف، وفي الخارج حيث الجمعيات والروابط الطلابية العراقية، وهي فروع اتحاد الطلبة العام..
- وهكذا يبدأ التحضير والعمل وتكون رايات التضامن مع طلبة وشعب العراق هي الخفاقة الاعلى في اولويات فروع الخارج، وعلى مدى الاعوام القادمة، وكم كانت النشاطات حيوية وفعالة ومؤثرة، ونابعة من الضمير اولا وقبل كل شئ، وباشراف لجنة التنسيق المركزية للجمعيات والروابط الطلابية التي انتخبت لها، سكرتيرا عاماً في الكونفرنس التاسع الذي انعقد في ضواحي براغ، خلال ايلول 1980 وبقيّتَ في تلكم المسؤولية لخمسة اعوام متعاقبة (2) ..
- وعلى طريق التوثيق ايضا، سجلْ هنا انك قد تكلفتَ، وتكفلتَ بمهمة تمثيل قيادة اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، لدى سكرتارية اتحاد الطلاب العالمي، ومقرها براغ، ولنحو سبعة اعوام تقريبا (1979- 1986) وكانت مهمة صعبة امامك، بهدف اعلاء صوت التضامن مع نضالات طلبة وشعب العراق ضد حكم الارهاب، والحرب، ومن اجل الديمقراطية والحقوق الانسانية. وأكـدْ– ايها الرجل- ان الصعوبة الاكبر في تلك المهمة كانت بسبب انقسام الموقف، وحتى ممن كان يعرف بالبلدان الاشتراكية من نظام صدام حسين الارهابي الدموي، اذ كان سائرا على طريق التوجه الاشتراكي، بحسب قناعات وتعابير تلك الايام !!! (3).
- وفي مسار هذه التوثيقات، وما أوحت وتوحي اليه، فلتؤكد - ايها الطالب المزمن، وربما الى اليوم، في المشاعر على الاقل- ان العشرات من اعضاء الاتحاد ونشطائه، بذلوا ما بذلوا، وتحملوا ما تحملوا، ولحد الاستشهاد في سبيل الشعب والوطن، سواء كان ذلك خلال فترات دراستهم، او بعد ذلك في ساحات النضال الوطني، والتضامني ..
- كما عليك ان توثق ايضا، ان المئات من اعضاء الاتحاد، وممن تخرج من مدرسته، كانوا، ثم راحوا نشطاء، بل وقادة في صفوف الحركة الوطنية، وكذلك في منابر ومرافق ومؤسسات علمية ورسمية عديدة، داخل العراق وخارجه..
- ثم عرجْ ايضا لتلفتَ الانتباه الى كيف كانت الهيئات الاتحادية، ومنها – مثلا على الاقل - في اواخر الستينات، واوائل السبعينات تموج بالتضامن الصداقي، والانساني وتدعو له، وتتبنى قيمه، وأنت شاهد عيان، ومعنيّ بتلك الفترة وعنها ...
- ولا تنسَ – وهل يجوز لك ان تنسى اصلاً ؟!- عطاءات اعضاء الجمعيات والروابط الطلابية خارج الوطن (فروع الاتحاد) الذين ما انفكوا، كما تعلم، وكما عشتَ ذلك، في التضامن مع طلبتهم وشبعهم، ضد الدكتوريات والارهاب والقمع... بل لتوثق ايضا بأن العشرات منهم قد تركوا دراستهم ليلتحقوا بمعمعان النضال الوطني السري والعلني، كما المسلح منه في كردستان العراق، خلال الثمانينات الماضية، وكم من شهيد وشهيد باسل، توج تلك التضحيات الجلى ..
- ولتذكّـر من يريد المزيد، او تستهوية المتابعة الاكثر، وكذلك للتاريخ والسائرين على طريق العمل النقابي والطلابي والوطني، ان لكَ شهادات عديدة اخرى ذات صلة ببعض تاريخ وتراث الاتحاد العريق، ولعل العديد منها موثق في الاحالة المرفقة بهذا التوثيق (4) ...
- ثم جدد مرة اخرى، بل ودائما، التمجيد لشهداء الاتحاد البواسل، والتحية لمناضليه ونشطائه وكوداره القدامى ( من قطعوا ومن رحلوا ومن وصلوا ).. كما ميـزّ بشكل خاص، الاعتزاز بنشيطات الاتحاد، اللواتي تميزنْ في عطائهنّ وتحديهنّ، والكثير الكثير منهن اليوم سيدات مجتمع، باهرات، ومبدعات واختصاصيات بارزات ..
- كما واعتذر ان فاتتكَ – ايها الشاب المخضرم! – لقطات (مهمة) اخرى هنا وهناك. ثم ثنّي الاعتذار، ولكنهذه المرة عن الاسهاب – ربما- في الحديث عن الدور الشخصي، وبررْ ذلك بالقول: انها شهادات وسيرة ومسيرة، كما جاء في عنوان هذه الكتابة التوثيقية ..
- ختاما فلتوجز مشاعرك - ايها الطالب / الشاب، وحتى لو كنتَ على مشارف السبعين – وانت تكتبُ بمناسبة الذكرى السبعين لمؤتمر "السباع" الخالد، واستعـرْ من الجواهري الخالد – مثلما استعرتَ في كتابات سابقة - ما قاله في المؤتمر الثاني لاتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية ببغداد عام 1959:
أزِفَ الموعدُ والوعدُ يعِـنُّ، والغدُ الحلوُ لأهليه يَحِـنُ ..
والغـدُ الحـلوُ بنـوه أنتمُ، فإذا كان لكم صُلْبٌ فنحنُ
فخرُنا أنّـا كشفناه لكمْ، واكتشافُ الغدِ للأجيالِ فـنّ
يا شـبابَ الغـدِ إنـا فتيةٌ، مثلكُم فرّقنا فـي العُمـر سـنُّ
لـم يزلْ في جانِحَيْنا خافقٌ، لصُروفِ الدّهر ثَبتٌ مطمئنُّ
*رواء الجصاني، اواسط نيسان 2018 براغ
------------------------------------------------
احالات وهوامش:
1/ للمزيد في موضوع بعنوان "في معركة انتخابية قبل أربعة عقود" لنسرين وصفي طاهر، نُشر في الحوار المتمدن بتاريخ 2009.1.15
2/ - لتفاصيل اكثر هناك تأرخة للكاتب، ذات صلة، منشورة على الانترنيت بتاريخ 2011.4.14 موسومةٌ بعنوان: "جمعيات وروابط الطلبة العراقيين خارج الوطن 1978-2003/ ربع قرن ضد الدكتاتورية والارهاب" ..
3/ - راجع "شهادات عراقية في تاريخ اتحاد الطلاب العالمي 1979 – 1989" نشر للكاتب في العديد من وسائل الاعلام الالكترونية، وغيرها، اواخر شباط 2018 ....
4/ للمزيد، راجع توثيق للكاتب بعنوان" شهادات وأسماء ومشاركات في حركة طلابية عراقية مجيدة/ بمناسبة الذكرى الستين لمؤتمر السباع" نُشر في موقع الحوار المتمدن في نيسان 2008 ..