٣٧- عن الجواهري
د. موفق فتو
الحديث عن الجواهري هو الحديث عن ثلاث قضايا مهمة:
الأولى: إضافة البعد الوطني لأغراض الشعرالعمودي.
الثانية: هل تكتب قصيدة الجواهري ثانيَّة من قبل شعراء العمود؟
الثالثة: أطلقتُ على الجواهري: النهر الثالث، وسرقت الكلمة دون توثيق.
المعروف إنَّ أغراض الشعر العربي، خاصة شعر العمود محددة وهي :الفخر، الرثاء، الهجاء، المدح، الوصف، الإعتذار، الحكمة، الحماسة، الزهد. وثمة أغراض ثانوية أخرى. هذه الأغراض لم نجد من بينها الغرض الوطني، والغرض الوطني ليس الغرض السياسي فقط، إنَّما هو النضال عن طريق الشعر وطنيًا. ميزة الجواهري أنَّه أضاف لأغراض الشعر ثيمَّة معاصرة، وهو ما يجعل قيامة الشعر العمودي في حاضرتنا الثقافية الحداثوية مبررًا. ودون ذلك لم نجد قيامة للشعر العمودي في الحاضرة الثقافية لدى يعض الشعراء إلا الغزل والمدح، وهما من أكثرالأغراض شيوعًا في مرحلة بروز الشخصيات المؤثرة التي تعتبر امتدادًا لثقافة الجاهلية والإسلامية. البعد الوطني في الشعر يتجاوز الشخصيات إلى الوطن ككل، قضاياه ومواقفه، وما يكون عليه مستقبلًا.
الثانية : لا تكتب قصيدة الجواهري لثانية، لا في ديباجها ولا في موضوعها، فثمة اقتران بين الوطنية والفنية، فانتهت عنده، لأنها ليست من الشعرية العمودية فقط، إنما هي الشعرية الوطنية فنيًا، وهذه ميزة تجعلها قصيدة مكتفية بذاتها فأغلقت الباب على غيرها من التوجه للمنحى ذاته، لذلك لا احد يعيد إنتاج قصيدة الجواهري، كما لا أحد يعيد إنتاج قصيدة السياب. فالمبدعون الكبار يغلقون النوافذ على أنفسهم.
الثالثة: من أطلق عليه النهرالثالث هو أنا، وليس غيري، وذلك في مقال نشر لي في جريدة الحياة اللندنيـــة بعيد وفاته بأسابيع، ولم أجد من تسمية للجواهري بـ”النهر الثالث” قبلي، وأرجو أن أكون على خطأ في هذا، ربما لم اقرأ كل ما قيل. المهم ليست التسميَّة، هي المعنية، وإنَّما المعني هو جريان حضور الجواهــــري في الحياة العراقية وفي الثقافة. مجرى النهر الثالث ثقافيًا واجتماعيًا ووطنيا، هو المعني بالنهـــرالثالث، إلى جوار نهري دجلة والفرات. فالجواهري كان تيارًا من الحضور الملفت في كل محافــــل المفاصل الوطنيّة ومواقفها، فتسميته بالنهر الثالــث، هو ديمومة جريان مواقفه الوطنية في الثقافة العراقية وحتى بعد وفاته.
* ناقد وباحث