top of page

١٢- الحان لعديد من قصائد الجواهري


د.حميد البصري

 

لم يكن من السهل أن أتكلم عن شخص يتربع على عرش اعلى قمة ادبية في الوطن العربي، الا وهو شاعر العرب الكبير الراحل الخالد محمد مهدي الجواهري. لكنني استعرض هنا علاقتي معه ومع اشعاره.


كوني ملحنا لمؤلفات شعراء عديدين، كنت محجما عن تلحين شعر الجواهري لفترة طويلة، لا لشيء الا لقلقي وخوفي من ان يكون اللحن ادنى من مستوى الشعر. لكنني تجرأت في البداية الى استخدام احدى قصائده في المقام العراقي، كون ذلك مرتبطا بأصول لحن المقام وانتقالاته الموسيقية... فاستخدمت قصيدة (سر في جهادك ( في مقام البهيرزاوي وغنته الفنانة شوقية العطار مع فرقة موسيقية يمنية:

سر في جهادك فالجهاد مفازة، يهدي الضليل بها وينجده الدمُ

واصمد يطاوعك القضاء وحكمه،همم الرجال هي القضاء المبرم....

عندما زار الجواهري عدن (اوائل الثمانينات الماضي) جمعتنا وبعض الاصدقاء جلسة معه.. اسمعته نماذج من انتاجاتنا وسألته عن امكانية تلحين بعضا من اشعاره، رحب بذلك وسجل لي بصوته (شوقا دمشق) و(دجلة الخير) ولازلت احتفظ بالتسجيل. كان ذلك دافعا قويا لي لتلحين اشعاره. وهكذا لحنت له قصيدة (شوقا دمشق ) :

وشوقا يا دمشق هو الضرامُ، ضميءٌ لا يُبل لها أوامُ

وعشق دبّ في جسد وروح، رضيع دم فليس له انفصام

اذا رمتُ السلوّ تخطفتني، طيوفٌ لا يشق لها زحام...

ثم استخدمت قصيدة يا دجلة الخير في مقام الراست. ولتنوع التعبير اللحني لآجزاء هذا المقام، اخترت الأبيات ذات المضمون المناسب لذلك :

حييت سفحك عن بعد فحييني، يا دجلة الخير يا أم البساتينِ

حييت سفحك ظمآنا الوذ به، لوذ الحمائم بين الماء والطين

إني وردت عيون الماء صافية، نبعا فنبعا، فما كانت لترويني

يا دجلة الخير قد هانت مطامحنا، حتى لأدنى طماح غير مضمون..

زرت الجواهري مرة، انا والفنانة شوقية العطار، في بيته بدمشق واسمعناه اغانينا، فرح بنا كثيرا واتصل بابنته، التي كانت في اوربا، ليبلغها عن سعادته بوجودنا في بيته.. وبعد فترة زمنية لاحقة، لحنت قصيدة (سلام) ومن ابياتها:

سلام على حاقد ثائرِ، على لاحب من دم سائرِ

يخب ويعلم أن الطريق لابد مفض الى آخر

كأن بقايا دم السابقين ماضِ يبشّر بالحاضر....

لقد كانت تلك أفضل ما لحنته من أغانٍ في حياتي.


* اكاديمي وموسيقار

bottom of page