top of page

٤-وداع بغداد والغربة


أ. آرا خاجودور

 

بدأت علاقتي بالجواهري من أيام وثبة كانون 1948 المجيدة، تلك الوثبة العظيمة التي سجلت مأثرة كبرى في تاريخ الشعب العراقي، وعززت الوحدة بين فئاته الإجتماعية ذات المصلحة بالسيادة والإستقلال الوطنيين. كان مشهد التعاون بين العمال والطلبة خلالها ملهماً ومثيراً للإعجاب، وفي الوقت نفسه مخيفاً ومرعباً للقوى الإستعمارية وخدمها، وظلت السلطة غائبة في بغداد لعدة أيام، تحت تدفق وقوة الضغط الجماهيري. ومن أبرز ثمار الوثبة إسقاط معاهدة بورتسموث الموقعة بين العراق وبريطانيا في بورتسموث يوم 15 كانون الثاني 1948، والمعاهدة في الواقع طبعة جديدة لمعاهدة 1930.


كان الجواهري خلال كل حياته منحازاً بقوة للفقراء والكادحين، ومعبراً عن حقوقهم ومظالمهم وطموحاتهم. في أيام الوثبة كانت قصيدة أخي جعفر؛ شهيد الوثبة، بالنسبة لنا قوة دفع معنوي لا يدانى، وكم من المرات إلتقيتُ الجواهري، وسمعتُ وتحسست إصراره على دعم الفقراء من أبناء الشعب العراقي، وكم كانت جميلة ومنسجمة جلساتنا بمشاركة الشهيدين سلام عادل وجمال الحيدري وغيرهما.


لا يمكن لحيز محدود أن يعبر عن علاقات دامت نحو خمسة عقود، شملت لحظات عذبة، وفترات مديدة إنطوت على مصاعب جمة؛ في بغداد المنبت، وبراغ الفسحة المزهرة، وفي دمشق الشعر والسياسة والوجوه الإجتماعية المبدعة في مختلف أوجه النشاط الإنساني.


أتحدث الآن عن لحظة واحدة أسفرت عن تحول مهم في حياة الجواهري. وكما قلت قبل قليل: الجواهري كان نصيراً كبيراً للمنظمات النقابية والمهنية، مثل إتحاد نقابات العمال، وإتحاد الطلبة، ورابطة المرأة وغيرها، ولا يَتَخَلفُ في كل الظروف عن دعم تلك المنظمات.


بعد أشهر الفرح بثورة 14 تموز 1958، أصاب التوتر علاقاتنا مع الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، خاصة بعد خطابه الشهير في كنيسة مار يوسف يوم 29 تموز 1959. وتزامن ذلك مع توتر أصاب علاقة الجواهري بقاسم. في شباط 1960 عقدنا المؤتمر الأول للإتحاد العام لنقابات العمال في الجمهورية العراقية، في قاعة الخلد البغدادية الشهيرة، ووجِهت الدعوةُ الى الزعيم لرعاية المؤتمر، وقد سبق له رعاية مؤتمرنا التأسيسي الذي عُقد في تموز عام 1959، وبديهي أن توجه الدعوة الى الجواهري أيضاً وغيرهما من الضيوف.


تَعمّدَ الجواهري الوصولَ الى قاعة المؤتمر بعد الزعيم عبد الكريم قاسم. لم يكن التصفيق لقاسم عند دخوله القاعة حاراً، بسبب توتر علاقاته مع الإتحاد، خاصة إذا ما قورن ذلك بما ناله الجواهري من ترحيب حار وتصفيق مدوي. هنا إنزعج الزعيم قاسم، وغادر القاعة بعد فترة وجيزة غاضباً. أدرك الجواهري أن العلاقة بينهما وصلت حد القطيعة. وبعد مشاركته في مناسبة مهمة في بيروت، إستضافه إتحاد الأدباء التشيك في العاصمة ـ براغ التي شهدت قسطاً وافراً من أهم وأجمل إبداعاته.


* سياسي ومناضل عراقي

bottom of page