top of page

أخـو الطيـــر


امتهان الشاعر والأديب والفنان مهنة مُدرة مكسبة في ربوعنا. وهو عكس ما يتعارف عليه في بلاد العالم المعمور والمغمور فأنت هناك تكسب من الأديب والشاعر، وهو الحال أيضا في ربوع بلاد العرب الأخرى.

أنت إن أحسنت السباب المقذع لدرجة هتك الأعراض مثلاً، ارتفعت مكانتك بين أعمدة السلطة وفتحت لك أبواب الصحف والمجلات، وستُمنح لا أجوراً أعلى فحسب، بل ألقاباً من قبيل "أديب" و"مفكر" و"فيلسوف" و"ناقد". وإذا زدت في التصعيد لتصل حل السعار، فستصبح رفيق "الصفوة" وسامر المجالس ونديم المترفين والحاكمين..

مثل هذا السعار قد يرقى إلى حد الوباء كلما علت مكانة المعتدى عليه، فيتعدى حينذاك كل الألقاب المذكورة ليشمل حشداً من حاسد نكرة، وغيور مغمور.

وكم عانيت أيها "الجواهري" الظاهرة!.. لك الصبر وأنت ملء القلب والسمع والبصر.

* * *

وراء عشرات الدوافع.. والدفع بالطبع، يتستر دائماً ذلك الحسد الممض والغيظ القاتل، .. لم لستُ الجواهري؟؟!.

كم أطروحة سباب صريح ومبطّن.. "عدت عليك كما يستكلب الذيب" وكم "حديث ذي شجون" أثَرْت.

كلما آذاك البعد "ياغريب الدار"، وكلما "طال شوقك" وأمضك الحنين، كلما قوبلت لا بنسمة حنين أو شوق بل بزوبعة من بذيء القول ومرذول الشتيمة ... كلما طَعن فيك العمر ووهن العظم منك، كلما تناهبتك سكاكين "الغيارى" تقطيعاً وتمزيقاً و"حسب الثمانين من فخر ومن جَذَلِ". صبراً ثم صبراً أيها الشيخ الجَلِد.

رحلت.... ولكن هل استرحت من مقذع القول ورخيص الشتيمة!!.. رحلت وكم وإلى أي دهر يحمل حُسّادك "شجونهم" هذه.. أتنتهي معاناتهم باختفائهم دون أثر؟؟ أم أن هذا الداء موروث يحمله الأبناء مثلما حمله الآباء.

كم هزَّ دوحكَ من قَزْمِ يطاوله فلمْ يَنَلْهُ، ولم تَقْصُرْ، ولم يَطُلِ

* من مقدمة الدكتور فلاح محمد مهدي الجواهري، نجل الشاعر الخالد

للطبعة الكاملة المنقحة والمزيدة من "ديوان الجواهري"

الصادرة عن دار بيسان عام 2000

bottom of page