شؤون عربية في تاريخ تشيكيا الحديث
رواء الجصاني، في حزيران / يونيو 2011
----------------------------------------------
على طريق اتمام دراسة أشمل، وأكثر تفصيلاً، تأتي هذه المحاولة -الأولى على ما نزعم – في التوثيق لمحطات نظنها مهمة في تاريخ العرب وعلاقاتهم وشؤونهم في البلاد التشيكية، وبراغ بشكل رئيس، خلال الأعوام العشرين الأخيرة... بمعنى في العقدين اللذين أعقبا انهيار النظام الشيوعي، إثر ما اصطلح عليه "الثورة المخملية" التي بدأت شرارتها الأولى أواسط تشرين الثاني / نوفمبر من العام 1989...
بعض الخلفيات
كانت علاقات براغ الرسمية عند انطلاق مسارات النظام الجديد في البلاد التشيكية – السلوفاكية أواخر العام 1989 وطيدة مع العديد من البلدان العربية، وعلى أكثر من صعيد وميدان... فثمة اتفاقيات ومعاهدات كثيرة تنظم شؤون تلكم العلاقات: الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية وغيرها. وقد جرى الابقاء على الغالبية الأعم منها، مع التعديلات والاضافات، وحتى بعد انفصال الفيدرالية المشتركة إلى جمهوريتين: تشيكية وسلوفاكية، مطلع العام 1993... خاصة وان الدولتين الحديثتين على الخارطة الأوروبية قد أكدتا الالتزام بجميع ما تحتم عليهما المسؤوليات والالتزامات القانونية والدولية...
العلاقات الدبلوماسية
لم تبرز في اطر العلاقات الدبلوماسية بين النظام الجديد في تشيكوسلوفاكيا الفيدرالية بعد عام 1989 أية تداعيات أو تعقيدات تذكر بشكل عام، مع البلدان العربية... ثم شهدت السنوات اللاحقة اعادة النظر في الاتفاقيات والتفاهمات المتبادلة، إذ توطدت مع عدد من الدول العربية، فيما شهدت تغيرات مع بعض آخر، وخاصة ان ثمة تداخلات عديدة قد برزت في الجوانب السياسية المباشرة، وغير المباشرة... فقد كان للحزب الشيوعي الحاكم في تشيكوسلوفاكيا، وكما هو معروف، علاقات خاصة، واستثنائية، مع بعض الدول العربية التي تقود أنظمة الحكم فيها احزاب يتشارك عدد منها في الكثير من الآراء والمواقف الفكرية والعملية مع النظام السائد في براغ، ومنها على سبيل المثال: اليمن الجنوبية آنذاك، العراق، سوريا، ليبيا وغيرها... وبشكل عام استمرت العلاقات الدبلوماسية القائمة، مع تأسيس أخرى جديدة وصلت إلى حد افتتاح سفارة للرياض في براغ عام 2002...
... أما راهناً فثمة اثنتا عشرة سفارة وبعثة دبلوماسية عربية في براغ هي بحسب تسلسل حروف الهجاء: - التونسية – الجزائرية – السعودية – السورية – العراقية – الفلسطينية – الكويتية – اللبنانية – الليبية – المصرية - المغربية – اليمنية... ذلك إضافة إلى تمثيل سفارات الامارات وعمان والسودان والاردن في فيينا، وقطر في بودابست، والبحرين في برلين، لبلدانها لدى براغ... وبالمقابل فهناك سفارات وبعثات دبلوماسية لتشيكيا في معظم البلدان العربية التي جرت تسميتها أعلاه...
مجلس السفراء العرب
... ومادام الحديث سالكاً بشأن العلاقات الدبلوماسية، نتوقف هنا، وإن سريعاً، لنوثق أن الأعوام العشرين الماضية قد شهدت نشاطاً تنسيقياً لمجلس سفراء، ورؤساء البعثات العربية المعتمدين لدى تشيكيا، والذي يعقد اجتماعاته التقليدية مرة كل شهر، فضلاً عن اللقاءات والاجتماعات الاستثنائية، ومنها عند زيارات كبار المسؤولين العرب الزائرين لبراغ، أو المسؤولين التشيك رفيعي المستوى، بل وحتى رئيس الجمهورية الحالي فاتسلاف كلاوس عام 2007... وقد تعاقب على عمادة المجلس منذ العام 1990 وإلى اليوم : السفير اللبناني (الراحل) سليمان يونس، وسفير فلسطين سميح عبد الفتاح، وسفير السعودية الامير منصور آل سعود وسفير جمهورية العراق ضياء الدباس... وأخيراً سفيرة سوريا نادرة سياف التي تواصل اليوم، تلك المسؤولية... مع العلم بأن عمادة المجلس تأخذ في الاعتبار اقدمية السفير العربي الزمنية في براغ...
الجالية العربية
تتوزع الجالية العربية في براغ، وغيرها من المدن التشيكية اليوم إلى أقسام عديدة ومن أهمها المتجنسون والمقيمون الدائميون، ورجال الأعمال والطلاب... وإذ لا تتوفر احصاءات دقيقة فإن التقديرات تشير إلى ان عددهم يتراوح بين 3000 إلى 4000 آلاف... وغالبيتهم من الطلبة الذين اكملوا دراستهم في براغ وغيرها من مدن البلاد، ليتزوجوا ويؤسسوا عائلات مختلطة ويعملوا في مجالات اختصاصاتهم. وقد احتل الكثير منهم، وتسنم مسؤوليات ومواقع علمية وعملية متميزة، كما ونشاطات تجارية مهمة... وبحسب معطيات رسمية أخيرة لمركز الاحصاء التشيكي أواخر العام 2010 فان العرب في تشيكيا موزعون، بدون حساب اللاجئين الذين لم تحسم قضاياهم بعد، كالآتي:د
* الجزائر: 631 مواطناً، البحرين: 17، * مصر: 515 * اريتريا: 4 * العراق: 410 * الأردن 213 * المغرب: 213 * الكويت: 21 * لبنان: 295 * ليبيا: 212 * السعودية: 75 * الصومال: 32 * الامارات: 6 * سوريا 538 * تونس: 595 * عمان: 2 * فلسطين: 127 * موريتانيا: 4 * اليمن: 218 * السودان: 65 مواطناً...
.
.. وفي هذا السياق هناك العديد من المصادر الرسمية والاعلامية وغيرها والتي تؤكد جميعها وجود العشرات من المواطنين العرب الآخرين الذين يتواجدون على الأراضي التشيكية بدون سماحات قانونية، وبعضهم لفترات غير قصيرة...
نوادي وأطر مدنية
تأسست خلال الأعوام العشرين التي تسعى هذه التأرخة للحديث عنها عدة نواد ٍ وأطر اجتماعية وثقافية عربية، واصلت اقامة وتنظيم الفعاليات والأنشطة المختلفة الوطنية منها، والثقافية والاجتماعية، وسواها... وتجدر الاشارة على هذا الصعيد إلى نادي الجالية اللبنانية، والمنتدى العراقي ونادي الجالية الفلسطينية والنادي السوري...
... ولأسباب سياسية وذاتية وغيرها، لم تستطع تلكم النوادي والأطر من الاستقطاب المطلوب لأبناء، فضلاً عن بنات، جالياتها، وبقيت ولحدود كبيرة دون تعاون وثيق في ما بينها، برغم محاولات كثيرة جرت لتشكيل لجنة تنسيق مشتركة، وبهدف التطوير اللاحق لها بتأسيس ناد ٍ ثقافي اجتماعي عربي موحد... أما الأسباب التي حالت – وتحول – دون ذلك، مع كل التمنيات والرغبات والتصريحات، فهي متعددة ومتشابكة، ومن بينها سياسية واجتماعية وتنظيمية، واقتصادية...
وبالترابط مع ما تقدمت الاشارات إليه، نوثق هنا ان ثمة أطراً عربية - تشيكية أخرى، مدنية غير ربحية، نشطت في البلاد، وبهذا المستوى أو ذاك، ومن بينها: مركز الجواهري والمنتدى الفلسطيني والرابطة العراقية والنادي الثقافي العربي...
وعلى الصعيد ذاته نوثق أيضاً للجمعية التشيكية – العربية التي تأسست في مطلع التسعينات، وبدعم وزارة الخارجية التشيكية، والسفارات والأطر العربية، والتي تواصل نشاطاتها التضامنية والثقافية والاجتماعية إلى اليوم، وان كانت بحدود معينة، بعد ان تراجعت الاهتمامات بدعمها، بحسب ما تؤكده مصادر الجمعية ذاتها، وآخرها خلال الاجتماع الأخير لهيئتها العامة في مطلع شباط / فبراير 2011.
كما تجدر الاشارة أيضا ً، على ما نظن، إلى ان ثمة مدارس عربية رسمية، مصرية وعراقية وليبية عملت في براغ ثم أغلقت، وآخرها الليبية عام 2005...
الجالية الاسلامية
بعد انهيار النظام الشيوعي عام 1989 وانبثاق العهد الجديد الذي سمح بتشكيل المنظمات المدنية بشكل عام، انطلقت مساع عديدة لتأسيس اطر خاصة بالجالية الاسلامية في البلاد، مثل اتحاد الطلبة المسلمين وجمعية الوقف الاسلامي في برنو وقرينتها في براغ، إلى جانب اتحاد المسلمين التشيك ومنظمات اخرى رديفة، أو متفرعة... وقد تركزت نشاطات تلكم الأطر على نشر العديد من الاصدارات الخاصة باللغتين العربية والتشيكية، وكتابة المقالات في الصحف العامة واقامة الندوات وغيرها... وكذلك اقامة صلوات الأعياد الاسلامية، الجماعية المشتركة... وقد شكت هذه الأطر أيضاً من تداخلات عديدة، ولم تستطع التوصل إلى التوحد في ما بينها لأسباب عامة وخاصة.
استعراب... ومستعربون
استمر المستشرقون والمستعربون التشيك، في ظل النظام الجديد الذي تأسس في بلادهم أواخر التسعينات الماضية، استمروا في نشاطاتهم ذات التقاليد العريقة على ما نزعم... فثمة اساتذة ومتخصصون بارزون اليوم في البلاد التشيكية، يؤرخون ويبحثون ويترجمون لشؤون وأحداث واختصاصات عربية وبمستويات ملموسة... ومن بين من نشير إليهم في هذه التأرخة، ووفقاً للأبجدية العربية:
1/ ادوارد غومبار 2/ اميرة كليمنتوفا 3/ ايفا ليشكوفا 4/ بتر زيمانيك 5/ رودولف فاسيلي 6/ زدينكا سامرائوفا 7/ زدينكا ايوبوفا 8/ فرانتيشك اوندراش 9/ كارل كيلر 10/ ليبوش كروباتشيك 11/ ميرك هوسكا 12/ ميلوش مندل 13/ ياروسلاف اوليفريوس 14/ ييرجي فلايسك... مع التنويه بشكل خاص إلى نشاطات المستعرب الراحل يارومير هايسكي الذي توفي عام 2004 وهو في أوج عطائه...
... كما ونؤرخ أيضاً أن عدداً من الأطر ذات العلاقة، الرسمية بشكل رئيس، مابرحت تنشط في مجال الاستعراب والاهتمامات بالشؤون العربية ومنها: معهد الاستشراق، كلية اللغات في عدد من الجامعات التشيكية وأبرزها: كارل في براغ... ذلك إلى جانب القسم العربي في كلية اللغات، شبه الرسمية. كما ونزيد ان ثمة العديد من المسؤولين السياسيين والرسميين، والسفراء والدبلوماسيين التشيك درسوا، ويتحدثون العربية، ويتابعونها ومنهم، وفقاً للتسلسل الأبجدي، ايفا فليبيوفا، ايفان فولش، ايليا مازانيك، توماش سميتانكا، ميلوسلاف ستاشيك، هينيك كمونيشيك، يانا بابانوفا، يانا هيباشكوفا... والشيء بالشيء يذكر كما يقولون، نؤشر هنا إلى أن الاذاعة المركزية الرسمية في البلاد قد أوقفت بثها باللغة العربية، فور انهيار النظام الشيوعي وحلول النظام الجديد.
منظمات عالمية
ضمن التخطيط والتنسيق المركزي، السياسي لأنظمة الحكم "الاشتراكية" في بلدان أوروبا الشرقية حتى مطالع التسعينات الماضية، تكفلت براغ، باستضافة عدد من المنظمات الدولية )الأممية( التابعة، أو المتابعة من الاتحاد السوفياتي السابق بشكل رئيس، وهي: منظمة الصحفيين العالمية، واتحاد النقابات العالمي، واتحاد الطلاب العالمي، إلى جانب مجلة قضايا السلم والاشتراكية المنبر الاعلامي للحركة الشيوعية العالمية، حتى مطلع التسعينات... وقد عمل، أو انتدب للمشاركة في مهام تلكم المنظمات الدولية ومنذ الخمسينات الماضية، مسؤولون وممثلون، وموظفون، شيوعيون و"يساريون" من مختلف البلدان العربية، وبالتناوب لفترات زمنية قصرت، أو طالت بحسب الظروف، واحتياجات العمل، والمتطلبات السياسية...
... وبعد التغيرات التي شهدتها براغ بدءاً من عام 1989 صفت مجلة قضايا السلم والاشتراكية أعمالها، وانحسرت وإلى حدود بالغة البعد، فعاليات المنظمات الثلاث الأممية الأخرى: النقابات والصحفيين والطلاب... مما حتم بالتأكيد انحسار المشاركة العربية فيها شيئاً فشيئاً، ولتكاد تنعدم اليوم في الواقع العملي، وحتى الاعلامي...
مثقفون وسياسيون
... ارتباطاً مع ما تقدم ذكره في المحاور السابقة، " تشكلت" في براغ نخب من السياسيين والمثقفين العرب، بشكل دائم أو مؤقت، ومنذ الخمسينات الماضية... وإذ شهدت الأعوام العشرون التي نؤرخ لها (1990-2010) انحسارات كبيرة لتلكم "النخب"، استقرت وإلى اليوم وجوه وأسماء وشخصيات سياسية وثقافية، "يسارية" في الغالب الأعم، ومن أبرزها:
الفلسطيني مازن الحسيني، الأمين العام السابق لمنظمة الصحفيين العالمية، والسوداني فتحي الفضل، الأمين العام السابق لاتحاد الطلاب العالمي، والعراقي آرا خاجادور المسؤول السابق في اتحاد النقابات العالمي، والفلسطيني نعيم الاشهب، ومحمد الطيب، ممثلا حزبيهما الشيوعيين في هيئة تحرير مجلة قضايا السلم والاشتراكية حتى العام 1991 ... ذلك إلى جانب العديد من السياسيين والمبدعين والشعراء والكتاب والصحفيين الآخرين الذين عملوا في المنظمات الدولية السابقة الذكر، وغيرها، وكذلك في القسم العربي للاذاعة التشيكية حتى أواخر الثمانينات الماضية... وكذلك فنانون وأدباء تخرجوا من الجامعات التشيكية، واستقروا في براغ والمدن التشيكية الأخرى، وقد برزوا في مجالات فنية وثقافية مختلفة: سينمائية واعلامية وغيرها...
اعلاميات... واعلاميون
شهدت البلاد التشيكية على مدى الأعوام العشرين الماضية عدداً من الاصدارات الدورية، غير المنتظمة عموماً، باللغة العربية، ونعنى بها نشرات النوادي العربية، الورقية أو على الانترنيت... مع بعض الاصدارات الأخرى باللغة التشيكية، تعنى بالشؤون العربية والاسلامية، وموجهة للمتلقين التشيك: عوائل وآباء وأبناء وأحفاد وأصدقاء وسياسيين وغيرهم...
... وفي هذا السياق تنبغي الاشارة أيضاً - وان السريعة – هنا لنشاطات مؤسسة بابيلون للاعلام والثقافة التي بدأت منذ أواخر عام 1990 والتي نشرت وتنشر إلى اليوم العديد من الاصدارات اليومية والأسبوعية والشهرية وسواها، وباللغة العربية، فضلاً عن بعض الاصدارات باللغة التشيكية ومنها دورية "بانوراما عربية" التي صدر منها تسعة اعداد وتوقفت بسبب ضعف، بل وانعدام الامكانات والدعومات المالية... ولأسباب أخرى لا يتسع المجال حالياً للحديث عنها...
وارتباطاً مع ما تقدم، نوثق ان ثمة مراسلين في براغ لعدد من وسائل الاعلام العربية ومن بينها: الوكالة العربية السورية للأنباء، اذاعة سلطنة عمان، قناة الجزيرة، موقع ايلاف على الانترنيت... ذلك إلى جانب جمع من الاعلاميين العراقيين الذين يواصلون عملهم اليوم في قسم العراق باذاعة "اوربا الحرة" الاميركية التي انطلقت من براغ عام 1998. كما ونوثق بهذا السياق لنشاط اعلامي آخر، ونعني به انطلاق فضائية "قلب أوربا" العربية - التشيكية من براغ أواخر 2010 والتي كان من المتوقع ان يكون لها اكثر من دور مهم في الشأن الاعلامي والثقافي المختص...
وأخيـــــــــراً...
... وكما أسلفنا في بداية هذه المحاولة، الأولى من نوعها - كما نزعم مجدداً - لتوثيق بعض الشؤون العربية في تاريخ تشيكيا الحديث، نؤكد مسبقاً، واحترازاً، بأن ما تمت الاشارة إليه، يبقى في إطار التأسيس لدراسة أشمل وأكثر ملموسية ومعطيات... ودعونا نختم فنقول: ان توثيقنا هذا ليس سوى عناوين تشحذ الذاكرة، وتحفز المعنيين للمزيد من التمحيص والبحث، وبانتظار الملاحظات والاضافات والتصحيحات، والانتقادات الحريصة، من جميع من يعنيهم الأمر، أفراداً ومؤسسات...